بحث هذه المدونة الإلكترونية

لرياضة: شالكه الالماني وبرشلونة الاسباني يتأهلان الى دوري الثمانية لدوري ابطال اوروبا

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

اخبار ثقافية:


          الثلاثاء 08 مارس 2011         23:14 GMT

2-2 الشعر الحساني على مشارف بلاد البيضان.
نريد هنا تبعا لفكرة المقاربة التي شرحناها في "بحث مقاربة الأرحام الشعرية" المضمن في ملحق بهذا القسم أن نتبين ملامح شعر بني حسان قبيل دخولهم إلى بلاد البيضان، بمعنى آخر قبيل بدء هذا الشعر في اكتساب خصائص إضافية من تأثير ثقافات طوائف المجتمع البيضاني الأخرى غير الحسانية.
اللوحة التي نريد الآن أن نرسمها لهذا الشعر تتعلق بمطلع القرن التاسع الهجري أيام وجود طلائع بني حسان على محور الساقية الحمراء – إيكيدي الشمالي متحينين الفرص للولوج إلى صحراء البيضان.
ومن أجل فهم أحسن للظروف الثقافية لطلائع بني حسان آنذاك، ننبه القارئ إلى أنهم كانوا في الظرف الزمني المذكور لا يزالون متواصلين ثقافيا مع من عند ظهورهم من بقية بني حسان ومن المعقل عموما، في فضاء معقلي يمتد من إيكيدي الشمالي نحو الشمال مرورا بمنطقة تافيلالت إلى نواحي ملوية، ويمتد كذلك من الساقية الحمراء شمالا وصولا إلى السوس الأقصى ووادي درعة. وكان بنو حسان من ناحية أخرى قد أشربوا حظا معتبرا من التأثر بثقافات المجموعات الصنهاجية منذ وصولهم إلى السوس الأقصى في منتصف القرن السابع الهجري، حيث كانت لبني حسان في بعض الأحيان تحالفات سياسية مع قبيلتي جزولة ولمطة الصنهاجيتين، كما أنهم كان في عدادهم أتباع من محتد صنهاجي استلحموهم على إثر انتصاراتهم في بعض الحروب.
ملامح شعر بني حسان أيام كانوا على مشارف بلاد البيضان نلخصها إذًا في النقاط التالية:
دوران تسمية لغن :
كان هذا الفن الشعري يسمى حينئذ بـ لغنَ. يدل على ذلك كون "لغنا" من ألقاب الشعر الدارجي التونسي ، والتعبير عن الشعر بمعاني الغناء قديم، كما نجد في الشاهد التالي نقلا عن كتاب العمدة في محاسن الشعر وآدابه لابن رشيق القيرواني (ق 5هـ):
"... قال الشاعر:
تغن بالشعر إما كنت قائله = = إن الغناء لهذا الشعر مضمار
ويقولون: فلان يتغنى بفلان أو بفلانة، إذا صنع فيه شعراً.
قال ذو الرمة:
أحب المكان القفر من أجلي أنني = = به أتغنى باسمها غير معجم ".
***
مجموعة أوزان تسمى البت .. هي أصل البت لكبير:
كان معيار الوزن في الشعر الحساني حينئذ قد ابتعد عن الأوزان الخليلية، فبعد أن كان بنو حسان في صدر القرن السابع الهجري مثل باقي إخوانهم من المعقل ينظمون أشعارهم موافقة للأوزان العروضية للشعر الفصيح وفي مقدمتها بحر الطويل (كما استنتجناه من شاهد سابق)، أصبح شعر بني حسان مع مطلع القرن التاسع الهجري يعتمد على معيار واحد لقبول الشعر ألا وهو استحسانه من منظور الذائقة الجمعية لبني حسان. لقد آل الأمر إلى أن أصبحت الأوزان التي تتقبلها الذائقة الجمعية يطلق عليها مسمى جامع هو "البت". أوزان البت هذه هي التي ستسمى لاحقا بالبت لكبير، ويمثلها اليوم ما أسميناه في القسم من هذا الكتاب الخاص بعروض الشعر الحساني ب: "لبتوته لكبار أو البحور المعقلية"؛ وقد وصفنا هذه البحور بالمعقلية، لأننا نعتقد أن ما نقوله عن الشعر الحساني في هذه المرحلة من تاريخه -وهو لما يدخل بعد إلى بلاد البيضان- منسحب كذلك إلى حد كبير على شعر كثير من باقي إخوانهم من المعقل؛ ذلك أن كثيرا من المعقل كان يجاور بني حسان مباشرة من جهة الشمال، ونعني أساسا المعقل الذين بتافيلالت مثل أولاد حسين وأولاد أبي الحسين من بني منصور. (لاحظ معي بدء هذه المسميات القبلية بـكلمة"أولاد" –كما عند ابن خلدون- لتأنس إلى انسجام هؤلاء المعقليين ثقافيا مع إخوانهم من بني حسان الذين كذلك يسمون فروعهم بـ "أولاد").
كانت تسمية "البت" إذًا قد دارت، وكانت يعبر بها عن الشعر الموزون وزنا تستحسنه الذائقة الجمعية عند بني حسان وعند باقي مجاوريهم من المعقل الساكنين شماليهم في تافيلالت. أما بخصوص اشتقاق تسمية "البت" فقريب من الذهن أن لها علاقة بكلمة "البيت" الفصيحة ، وقد كان الشعر البدوي الهلالي (ثم الشعر المعقلي ثم الشعر الحساني) غالبه في شكل أبيات، وحتى اليوم لازال الشعر البدوي الخليجي يسمي القصيدة أبياتاً. ثم إننا بعد ذلك نجد دليلا مهما على تداول لفظة البيت البدوية عند باقي المعقل (من جيران بني حسان من جهة الشمال)، فقد أورد الباحث المغربي المتضلع الدكتور عباس الجراري في بحث له حول الشعر الدارجي بالمغرب شاهدا من الشعر المغربي في تافيلالت، نسبه إلى عبدالله بن احساين من أهل القرن التاسع الهجري، وقال عن ذلك الشاهد إنه بداية لوزن شعري يسمى "المبيت"، وقال إن اسم هذا الوزن مشتق من البيت؛ هذا الوزن المغربي لازال موجودا إلى اليوم.
كان البت في ذلك العهد يشمل مجموعة أوزان تختلف في عدد مقاطعها من 7 إلى 14 مقطعا (عدد المقاطع = عدد المتحركات) .
كان أطول هذه الأوزان، أي الذي له 14 متحركا، منبثقا عن وزن الطويل الأصلي قبل انكساره (الطويل = فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن=14 متحركا).
وكان هناك وزن محبب له في أشطاره نحوا من 9 أو 10 متحركات، وهو الذي كان يسمى عند بني حسان آنذاك بالواكدي وقد استصحب تسميته إلى اليوم؛ وعند المعقل، جيران بني حسان، كان هذا الوزن يسمى بـ "المبيت"، وقد أوردنا أعلاه أن الباحث المغربي الدكتور عباس الجراري ذكر المبيت الذي نشأ بتافيلالت. وتلك النماذج التي اطلعنا عليها من المبيت عند الجراري وعند باحث مغربي آخر هو محمد الفاسي تشير فعلا إلى أن أشطاره كانت ما بين 9 و10 مقاطع.
وكان أقصر أوزان البت ذلك الذي له 7 متحركات فلعله كان بمثابة مجزوء الطويل، ومجزوء الطويل هو وزن عرف فعلا في الشعر البدوي، وأن لم يعرف في الشعر الفصيح.
***
دوران تسمية القاف:
تسمية القاف كانت كذلك موجودة عند بني حسان وهم لما يدخلوا بعد إلى بلاد البيضان؛ فـكلمة "القاف" أصلها فصيح مشتق من القافية، وقد توطنت في الشعر البدوي، ومنه انتقلت إلى الشعر الحساني والشعر الدارجي الخليجي (الشعر النبطي)، ولا زالت تسمية القاف -بنفس جمعها على قيفان- معروفة اليوم في الشعر النبطي، كما يؤكد لنا ذلك الدكتور غسان الحسن في دراسته العلمية حول الشعر النبطي في منطقة الخليج في معرض تعداد أسماء هذا الشعر (النبطي)؛ حيث يقول:
"هو القيفان أي القوافي، كما هو في قول الشاعر سالم الخالدي:
ارفق مع "القيفانْ" عذب التراحيب = = مني لكم يا اهْلَ الوفا والمُــروَّه
وهو القاف أي القوافي، كما في قول الشاعر علي محمد القصيلي:
أنا هاظني "قافٍ" سمعْتَه وطارقْ صوًّتْ = = وأنا اللي سهم حالي فراقِ المُواليفْ".
***
وجود نمط الطلعه اببيته:
كان نمط الطلعه اببيته -كما شرحناه في قسم العروض- موجودا آنذاك، ودليل ذلك أننا نجده في عدد من الأشعار الدارجية المغاربية ولا نجده في الشعر النبطي، بما يوحي أنه من إبداعات الشعر البدوي الهلالي بعد وصول الهلاليين إلى الشمال الإفريقي..
***
وجود نمط الرباعي .. ذي المربعات:
نمط الرباعي المتشكل من مربعات (راجع قسم العروض) كان موجودا لذلك العهد: أ أ أ ب
أ أ
أ ب
نستدل على وجود هذا النمط قديما بالجمع بين كونه موجودا اليوم في الشعر الحساني وبين ذكر ابن خلدون لوجود هذا النمط من التقصيد في الشعر البدوي الأصيل؛ يقول ابن خلدون في وصف أشعار العرب المستعجمة في عصره: "ولهم فن آخر كثير التداول في نظمهم يجيئون به مغصناً على أربعة أجزاء، يخالف آخرها الثلاثة في رويه ويلتزمون القافية الرابعة في كل بيت إلى آخر القصيدة، شبيهاً بالمربع والمخمس الذي أحدثه المتأخرون من المولدين. ولهؤلاء العرب في هذا الشعر بلاغة فائقة، وفيهم الفحول والمتأخرون عن ذلك ..."اهـ كلام ابن خلدون.
***
وجود تأثر للشعر الحساني بالطريقة الزجلية الششترية
كان الششتري شيخا في بعض طرق الصوفية التي اهتمت بالأزجال والغناء، وهو من أهل القرن السابع الهجري. وقد انتشرت الأزجال التي نظمها الششتري في أنحاء كثيرة من الغرب الإسلامي، فمثلا نجد في تاريخ ابن خلدون (ت808هـ) إشارة إلى انتشار هذه الأزجال الششترية في الأندلس وذلك في معرض حديثه عن الزجل والزجالين وإيراده نموذجا من الزجل للسان الدين بن الخطيب (معاصر لابن خلدون)، حيث يقول:
"ومن قوله (=ابن الخطيب) على طريقة الصوفية وينحو منحى الششتري منهم:
بين طلوع وبين نزول = = اختلطت الغــزول
ومضى من لم يــكـــن = = وبقي من لم يزول" اهـ.
وبالمناسبة، تشير بحوثنا إلى أن هذه الطريقة الششترية الزجلية كانت هي الأصل الذي انبثق عنه اللون الشعري المسمى بالعروبي الذي يرد ذكره في هذا الكتاب في سياقات مختلفة والذي اشتهر على لسان الشاعر التونسي المعروف بأحمد بن عروس من أهل القرن التاسع الهجري.
كما تؤكد بحوثنا أن طريقة الششتري الزجلية كانت منتشرة في حواضر المغرب، ولقد وجدنا النموذجين التاليين مما قيل في حواضر المغرب:
أولهما:
شويخ امن أرض مكناسْ = = وسط الأسواق إغــــنِّي
آش اعلي امن النــــــاسْ = = واش اعلى الناس مـنِّي
والثاني:
آنَ مانِ فـــيَّـــــــاشْ = = آشْ اعلــــيَّ منِّي
نقنطْ من رزقِ لاشْ = = والخالقْ يرزقنِي
ومما ساعد في انتشار هذه الأزجال الششترية حتى وصلت إلى القبائل الساكنة في الصحراء هو ازدياد انتشار التصوف في القرن التاسع الهجري كما تتحدث عن ذلك المصادر التاريخية.
وفي هذا السياق يأتي ما ذكره كتاب الغلاوية للشيخ سيد محمد الكنتي من أن بني حسان أيام اتصالهم بالشيخ سيد محمد الكبير جد قبيلة كنته ليعينهم على إسقاط دولة ابدوكل في الشمال كانوا تلامذة له؛ وكان ذلك في القرن التاسع الهجري قبيل دخول بني حسان إلى بلاد البيضان كما يعلم من سياق التاريخ البيضاني.
تأثير الطريقة الزجلية الششترية في الشعر الحساني قبيل دخوله إلى بلاد البيضان يمكن أن نوجز ملامحه في النقاط التالية:
- بدء شعراء الحسانيين بالنسج على منوال تلك الأزجال،
- بداية دخول وزن قصير من نحو ستة مقاطع في أشطاره، وهو الأثر الأبرز،
- قاد هدوء النفس لدى منتجي الشعر من الحسانيين الذي أتي ثمرة للسعي في تزكيتها في ظل التصوف إلى بروز اتجاه أكثر نحو الأشعار الهادئة الخالية من التقاء السواكن، ذلك أن خلو الشعر من التقاء السواكن يوحي بالهدوء، ووروده في الشعر يوحي بالصخب.
- كون هذه الأزجال الششترية تتكون من أربعة أشطار فقط هو الذي أدى إلى أن يترسخ في الشعر الحساني استخدام القاف للتعبير عن الأشطار الأربعة كما هو الحال في اصطلاح أهل اليوم، وبدأ يعبر بالصبه عن ما تجاوز أربعة أشطار؛ والأصل كما في الشعر البدوي أن القاف يقال للقصيدة الموزونة على قافيتين مهما طالت. ويمكن للقارئ أن يعود إلى قسم العروض للإطلاع على التفاصيل الدقيقة لمصطلحي القاف والصبه.
نقلا: عن موقع التيسير الثقافي