في بيت متواضع وفي حي هادئ من أحياء مقاطعة دار النعيم - وبين عشرات من زوار البيت الذي صار معلما - يجلس الشاب أحمد فال ولد الدين الذي ملأت صورته شاشات التلفزيونات العالمية وتكلم من يدافع عن الكلمة الحرة والصورة الصادقة . تعلوا وجوه كل من تلقاهم البشاشة وتري البسمة والفرح علي وجوه كل الزائرين لهذا البيت ، - وما أكثرهم في هذا اليوم - بعد أن ظل يخيم سؤال واحد فوق كل الشفاه خائفا من جوابه أين أحمد فال ولد الدين ؟، لكن الحلم تحقق اليوم بحمد الله وبفضل شجاعة ولد الدين وكانه فتي المتنبي الذي عناه بقوله غير أن الفتى يُلاقي المنايـا كالحات، ولا يلاقي الهـوانا ولـو أن الحياة تبقـى لحيٍّ لعددنا أضلـنا الشجـعانا أحمدفال شاب متواضع وخلوق ، رضع المكرمات من والدته الصابرة والتي تمنت ودعت الله أن يردها إليها سالما فاستجاب الله لها دعاءها في السحر. يأسرك " صاحب الكناش " بحديثه وكأنه أخذ بزمام اللغة يصرف ألفاظها ويختار تعابيرها فتأتيه منقادة ، له قدرة فائقة علي الوصف يخيل إليك وأنت تصغي إليه أنك تقلب أكثر من مائتي دقيقة من الصور عن الوضع في ليبيا صادرتها منه كتائب القذافي لحظة اعتقاله . يتكلم بلغة عربية راقية ورصينة ، لم تستطع سنوات الغربة في الولايات المتحدة ، ولا مكابدة العمل في " جنوب الجنوب " مع أبناء وأحفاد "نيلسون مانديلا " والذي تذكره في سجنه بقوله " السجين لا يفاوض " ولا التجول في بلاد الله الواسعة أن ينتزعوا منه التبحر في لغة الضاد والكنز الذي يحفظه من الحكم والطرائف منها . نسي كل ما أخذته كتائب القذافي منه إلا مذكرة كتب فيها أبياتا من الشعر وحكما وطرائف وأمورا أخري يتذكرها بكل أسف وكأنهم لم يصادرو أجهزتهم الغالية من مصورات وكاميرات وووو. أراد نقل الحقيقة وأن يعيش لحظة التحول في العالم العربي وأن يكون جزءا منها فغامر في الشرف لأنه يستحق ، لم يكتف بدخول ليبيا بل أصر علي قلب الحدث مدينة الزاوية حيث الحرب بكل ماتعنيه الكلمة دخلها وراسل منها لأن صديقه المتنبي كتب له وصية جاء فيها إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم السراج كانت أول وسيلة إعلام تحاور الشاب الصحفي ليروي لها ما قاساه في ليل طرابلس من الظلم وما كابده في سجون كتائب القذافي ، وكيف وجد نفسه بين القنا والقنابل في مدن الزنتان والنالوت والزاوية بعد أن حولها القذافي إلي " نار جمر " يحدثنا ولد الدين بعينه الصحفية ولسانه الأدبي وحسه المرهف والمليء بالمشاعر عن شعب أراد الحياة وطاغية أراد الإستبداد فكان الحوار التالي نص المقابلة ـ السراج: الاستاذ احمد فال ولد الدين أهلا بك معنا في إذاعة السراج الحمد لله علي السلامة . السؤال الأول طبعا هو لما ذا ذهبت إلي ليبيا في ظل الحرب هل كنت مختارا أم مجبرا بظروف العمل ؟ أحمد فال بن الدين: بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله وسلم علي نبيه الكريم أولا أشكر لكم إتاحة هذه الفرصة ، المهمة أنا الذي اخترتها أنا الذي طلبت أن أذهب إلى تلك المنطقة كان ذلك بعدة دوافع، أولا كنت أريد أن أكون جزءا من اللحظة التاريخية التي تمر بالعالم العربي ، أردت أن أكون شاهدا علي بعض تجلياته لأنني لم أتمكن من دخول تونس أثناء ميلاد الثورة ولم أتمكن من دخول مصرأثناء ميلاد الثورة ، فعندما سنحت السانحة في ليبيا كنت حريصا على أن أرقب المشهد عن قرب أطلع على تفاصيله وأري ماهو المخاض الذي يمر به العالم العربي هذا أولا ، ثانيا أردتها وسعيت وراءها من أجل أن أحصل علي تجربة معينة لأن المراسلة الحربية تضيف إلى الثراء ثراء وإلى التجربة تجربة وطعما خاصا ، فهي كانت أساسا المسعي إليها كان بطموح صحفي ورغبة شخصية تتمثل في مواكبة مسيرة الأمة . السراج: ماهي طريقك إلي تونس وكيف دخلت إلي ليبيا ؟ أحمد فال بن الدين: قضينا ثلاثة أيام على الحدود التونسية الليبية نحاول الدخول حيث كانت البوابة الرئيسية مغلقة في تلك الأيام وكان الدخول صعبا خاصة على بعض المؤسسات ومنها المؤسسة التي أنتمي إليها ، لذلك حاولنا أن ندخل بطرق أخرى، دخلنا عن طريق جبلي صحراوي وصلنا إلى منطقة نالود وكانت حينها تابعة للثوار، اطلعنا على بعض مظاهر الحياة فيها ثم مررنا في طريقنا بالزنتان وقضينا بها نصف يوم ثم واصلنا إلى الزاوية لأنها في تلك اللحظة كانت النقطة التي يركز عليها الإعلام وكان يعتقد أن الحسم سيكون داخلها ، لذلك كنا حريصين جدا علي دخولها حرصا من الجزيرة علي ان تظل حاضرة قريبة علي أن تعطي لمشاهديها زبدة الأخبارحتي ولو حاول بعض الحكام والسلط أن يحرموها من ذلك لم يبق أمامنا سوي هذه الطرق التي قمنا بها . السراج : عندما دخلتم مدينة الزاوية كيف كان الوضع علي الأرض ؟ أحمد فال ولد الدين : عند دخولنا كان واضحا أنها مدينة أشباح ، لا أحد يسيطر عليها ، لذلك دخلناها بطريقة صعبة جدا دخناها عن طرق ملتوية حتي وصلنا إلي الساحة ا لموجودة وسط الزاوية ، كانت تحت سيطرة الثوار ، جئناها وقت صلاة المغرب ، أدخلونا فندقا تابعا لهم ووضعونا في غرفة فيه بتنا فيه ليلتنا تلك ، كان الرصاص كثيفا لم ينقطع طوال اليل رأينا مسلحين أمام الفندق وقت دخولنا ، في الصباح الباكر طلبوا منا مغادرة الفندق لأنه غير آمن ، الغرفة التي كنا فيها استهدفتها قذيفة بعد نزولنا منها . أنزلونا إلي غرفة في المسجد المطل علي الساحة كانوا يتخذون منها عيادة ميدانية ، دخلنا هذه العيادة الميدانية وبدأت حرب حقيقية طاحنة ، كان هذا يوم الخامس من شهر مارس كانت معركة حاسمة جدا ، تقدمت حوالي خمس وعشرين دبابة وحاصرت الساحة خرج الثوار وحاولوا الكفاح بأسلحة مختلفة منها الخفيف ومنها الثقيل - نسبيا - ومنها سيارات مصفحة وبدأت معركة حقيقية . أحترقت أمام عيني إحدي الدبابات رأيت الثوار وقد حصلوا علي عدة سيارات ورأيت الناس يتساقطون قتلي وجرحي وكان الظرف صعبا ، استمرت هذه المعركة لمدة ثلاث إلي أربع ساعات ، بعد ذلك حاولنا الخروج من المنطقة لأنها ليست آمنة ولأننا صورنا ما نستطيع أن نصور ، عملنا مقابلات مع الناس ، حوارات ، صورنا صور القتل والدمار والإشتباكات ، وخرجنا ، أخذونا إلي بيت في مزرعة أخفونا فيه في انتظار طريقة ما للخروج ، قضينا فيه بقية يومنا بتنا فيه وأيضا قضينا فيه نصف اليوم الآخر, وفي المساء تحركنا . خرجنا من الزاوية في محاولة للإقتراب من المناطق المحررة غربا مثل " الزنتان " و" النالوت " وكنا في أحد البيوت في انتظار أن نتحرك ، حين دخلت علينا مجموعة مسلحة بلباس مدني لكنها كانت مسلحة - بلكلاش نيكوف - بدأو يصرخون علينا أن أديرو وجوهكم إلي الحائط عصبوأ أعيننا وضعوا القيود في إيدينا إلي الخلف وذهبوا بنأ ، أسمعونا شيئا من الشتيمة وذهبوا بنا إلي السجن هذا السجن عندما وصلناه طمأنونا قالوا لنا " لن تتعرضوا لأي إذية ولا لأي تعذيب "وضعونا في زنزانة انفرادية عبارة عن واحدفي اثنين وفيها حنفية وحمام وأغلقوها علينا وبدأ التحقيق ، استمر هذا الحال لمدة اسبوعين كل واحد منا في زنزانة انفرادية لايعرف شيئا عن الآخر بعد ذلك نقلونا إلي سجن أفضل حالا قالوا لنا سننقلكم إلي مكان آخر حفاظا علي سلامتكم وحدثونا لاحقا أن المكان الذي كنا فيه قصف نهائيا وسوي بالأرض أربع ساعات بعد خروجنا منه . كان السجن عبارة عن غرفة نظيفة واسعة غير مفروشة إلا ان فيها أسرة حديدية وكان فيها حمام جيد جدا نظيف وكنا مع بعض فأحسسنا وكأننا خرجنا من السجن لأننا كنا في غرفة واحدة انا ولطفي المسعود وعمار الحمدان أما الزميل الآخركامل التلوع فلأنه ليبي لا نعرف عنه أي شيء أخذوه ، بقينا في هذه الغرفة بقية الفترة كانت الأخبار شحيحة جدا كانوا يحرصون علي أن لا يكون لدينا خبر، أنا شخصيا علمت باتسونامي اليابان حوالي عشرين يوما بعد حدوثه قرار الأمم المتحدة بالقصف علمنا به بعد أسبوعين من اتخاذه كنا لاندري شيئا ، كنا نسمع القصف في الليل نسمع إطلاق النار ولكن لا ندري من يسيطر ، إلا أننا لمسنا في تعاطي الحراس معنا أن الإنسان الليبي فيه خير كثير رغم كل مامر به - رغم الأربعين سنة هذه - الإنسان إنسان فطرة ، لذلك أحسسنا أن بعض الحراس كان يتعاطف معنا كانو يعاملوننا بطريقة جيدة كانت فيهم رحمة . السراج : هل أحسستم وأنتم في الزاوية أن البحث جار عنكم من طرف قوات القذافي كفريق الجزيرة . أحمد فال ولد الدين : أبدا لم تكن لدينا معلومة نهائيا أن البحث جار عنا لم نلتق أي شخص من طرف القذافي ولم تكن لدينا أية معلومة . السراج : هل شاهدتم بعضا من القتل يمكن أن تتهم به قوات القذافي ؟. أحمد فال ولد الدين : القتل والضرب الذي شاهناه كان من الطرفين للإمانة ، رأيت قتلي قتلهم القذافي ورأيت أيضا أسري من الجيش الليبي وقتلي ضربهم الثوار " كانت معركة لا علاقة لها بالثورة " كانت معركة حقيقية هذه التي شاهدناها . السراج : التحقيق معك كان حول ماذا ؟ ماهو الأكثر ورودا في أسئلة المحققين ؟ أحمد فال ولد الدين : الأكثر ورودا هو ما ذا راينا في الزاوية ؟ ما هي تفاصيل المشهد في الزاوية ؟ كيف دخلنا من ؟ قابلنا؟ ما هي الطريق ؟ ماهي اسماء الأشخاص الذين قابلناهم ؟ ما ذا نريد ؟لما ذا كلفتنا الجزيرة بهذه ؟ المهمة ، هذا النوع من الأسئلة المتمحور حول الأسئلة الميدانية والمتمحور حول من ساعدنا في الدخول المتمثلة في معرفة طبيعة المناطق التي مررنا بها ماهي حالتها كأنهم كانوا متعطشين إلي معلومات عنها . أنا شخصيا جلسوا معي خمس إلي ست جلسات تحقيق مطولة ، وزميلي أيضا جلسوا معهم كذلك السراج : وقت التحقيق هل كنت تحس بتفريق بينك وزملائك ، أو غضب تجاهك لأنك موريتاني ؟. أحمد فال ولد الدين : لا بالعكس ، أثناء التحقيق كانوا يشعرونني بما أنني موريتاني هم طيبون معي ، لان الإنسان الموريتاني طيب وليست لديهم مشاكل معه ، وإنسان علي الفطرة وعربي وإنسان مازال فيه الخيروالنخوة ، دائما يؤكدون لي أنهم طيبون معي بما انني موريتاني . السراج : حدث لقاء بينك والسفير الموريتاني وتحدثت الأنباء عن إطلاق سراحك ثم عدت إلي السجن وغابت أخبارك ما هي تفاصيل تلك الحادثة ؟ أحمد فال ولد الدين : أتانا المحقق ونحن في الزنزانة وطلب منا تجهيز أنفسنا وأنه سيأخذنا في جولة في طرابلس وإلي التفزيون الليبي ، و غاب عنا يومين ، وبعد ذلك أتونا وأخرجونا من الزنزانة وسلموا لنا أماناتنا وهذا عادة يحصل عندما يتم إطلاق سراح السجين وودعنا الحراس . السراج : هل كانت أماناتكم كاملة ؟ أحمدفال ولد الدين : في المرة الأولي كانت كاملة تنقصها ذاكرة الكامرة احتفظوا بها لأنفسهم لأن فيها مائتا دقيقة من التصوير داخل الزاوية ينقصها هاتف شخصي من نوع "iphone " كان أيضا مليئا من الصور من مدن النالوت والزنتان وفيه حتي مقابلات هذا أيضا احتفظوا به . المهم خرجنا وذهبوا بنا إلي الإعلام الخارجي وعندما وصلنا هناك جاء السفير التونسي والموريتاني ، وشعرنا وكأنه أطلق سراحنا وأعلن الخبر ، وبينما كان السفراء يستعدون لترتيب سفرنا إلي تونس ، قالت لهم جماعة الإعلام الخارجي أنهم يستأذنونهم لمدة دقائق سيأخذوننا - لنوقع أوراقا ويفرج عنا بعد ساعتين بالضبط - أخذونا وذهبوا بنا إلي الزنزانة وأغلقوها علينا . لم يتحدث معنا أي أحد ولا ندري ما السبب ولا ما ذا حدث ، بعد ثلاثة أيام دخل أحدهم ونادي باسم الزميل لطفي المسعودي وأفرج عنه ، إلي حد اللحظة لا ندري ما هو سر اللغز . السراج : واستمر التحقيق معكم بعد ذلك ؟ أحمد فال ولد الدين : لا لم يحققوا معنا بعد ذلك . السراج : وكيف كانت عملية إطلاق سراحك نهائيا ؟ أحمدفال ولد الدين : بالنسبة لي عملية إطلاق سراحي هي أنه دخل علي فجأة أحدهم وقال لي جهز نفسك وخذ أغراضك معك ، وسلموا لي بعض الأمانات ، وجاءت سيارة من الإعلام الخارجي وركبت معهم ، وبعد خروجنا من السجن أزالوا العصابة عن عيني ، ذهبوا بي إلي احد الأماكن واشتروا بعض الملابس وبعض ضرورات الحياة التي كنامحرومين منها وذهبوا بي إلي فندق ، وقالوا لي أنت الآن حر ستجلس في هذا الفندق حتي نرتب لك السفر . بعد ذلك فهمت أن الرئيس الموريتاني قادم إلي البلد ، كان لدي إعلام ، وكلمت الوالدة وكانت الظروف طيبة . السراج : هل كانت فيه قناة الجزيرة ؟ أحمد فال ولد الدين : نعم كنت أشاهد الجزيرة بنسختيها ، والقنوات الأخري ، بعد أن وضعوني في هذا الفندق أحسست أنها تهيئة للإفراج لأنهم كانوا حريصين جدا علي معاملتي بطريقة جيدة وبالطيبوبة قلت لك وفروا لي بعض الملابس كان الفندق ممتازا بكل المقاييس . السراج : مااسم هذا الفندق ؟ أحمد فال ولد الدين : ليس له اسم محدد يبدوا أنه خاص بهم ، كنت الوحيد فيه ، وضعوني داخله وبقيت فيه يوما وليلة وفي الصباح جاء السفير الموريتاني وسلم علي وقال لي الرئيس سيأتي بعد ساعات وستسافر معه إلي البلاد لأنه قام بوساطة في الموضوع . جلست أنتظر لأنه في النهاية لست أدري وخاصة أن لدي تجربة ماضية حيث أفرج عنا وأعدنا بعد ذلك للسجن ، بقيت حتي الساعة الثانية عشر ليلا دخل علي الحارس وقال لي جهز أغراضك جماعة السفارة ينتظرونك ، فأخذتني إلي الفندق الذي يوجد فيه الوفد الرئاسي والتحقت به . السراج : كيف استقبلك الوفد الرئاسي ؟ أحمد فال ولد الدين : استقبلوني بكل حفاوة ، أنا كنت مقطوعا عن العالم ، لم يكن لدي تصورعن حجم التعاطف الذي كنت أتمتع رغم انني كنت أتخيله ومتأكد منه ، لكن الوفد الموريتاني نفسه كل عضو فيه لاحظت في عينية السعادة الغامرة والإهتمام المتوقع ، لاحظت في التعاطي معهم أنهم كانوا في لهفة لرؤيتي ، كل واحد منهم جاء إلي يتحدث عن الإهتمام عن اهتمام أطفاله بقصتي ، فكان هذا بلسما تمتعت به بعد خروجي من المعتقل . بت تلك الليلة مع السفير في بيته " وبالمناسبة اشكر السفير الموريتاني في ليبيا لانه كان من أكثر الناس حرصا علي الإفراج عني لأنه كان نشطا وكل من تحدثت إليهم يقولون لي السفير أخذ قضيتك بشكل شخصي وأنا لاحظت هذا فيه فأود شكره من كامل قلبي علي جهوده " وبعد بيت السفير ذهبت في الصباح والتحقت بالوفد وأقلعت الطائرة إلي بنغازي . السراج : جلست مع الرئيس الموريتاني ما ذا دار بينكم من حديث ؟ أحمد فال ولد الدين : نعم جلست مع السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز كان الهدف من اللقاء كما لمست هو فقط الإطمئنان علي صحتي والسؤال عن ظروف الإعتقال ، والسؤال عن مشاهداتي كصحفي في ليبيا ، لمست منه حرصا واهتماما بحالتي وبصحتي ، وأنا أشكره من كامل قلبي علي هذه الجهود ، وهذا هو المتوقع من أي رئيس لأي بلد أن يكون هناك اهتمام بمواطنيه وأشكره مرة أخري . السراج :عندما ذهبت إلى بن غازي ماذا شاهدتهم هناك بصفتكم الصحفية؟ أحمدفال ولد الدين :عيني الصحيفة لا حظت آن الثوار ينقصهم الكثير من التنظيم أقول الكثير من التنظيم، وهذا أمر متوقع لأن بلدا به مئات الألآف من البشر وفجأة زال عنهم النظام وبدءوا يتحسسون يحاولون أن ينظموا حياتهم شوارعهم خبزهم اليومي طموحهم أحلامهم وهو أمر غير سهل وبالتالي لمست نوعا من الفوضى لدرجة أن الفندق الذي كان يقيم فيه وفد الوساطة الإفريقية كان يتظاهر أمامه الكثيرون وكان بعضهم متضايق من الوساطة الإفريقية لأنه يعتبرها تشرعن بقاء القذافي وكانوا يكلمنا بكثير من الحدة والعصبية ويقولون لنا إن أرجعتهم القذافي فهو الذبح بالنسبة لنا كانوا يريدون أن يؤكدوا لنا أن أي وساطة فيها بقاء القذافي في السلطة غير مرحب بهاومن خلال التعبير عن هذا الشيء كان واضحا أن الوضع الأمني غير مضمون مائة في المائة في مثل هذه الظروف لأنه في النهاية هذه الآف البشر والممسكون بالنظام لا يضربوهم لانهم في النهاية أبناؤهم وبالتالي عندما تكون آلاف من البشر الذين لا يضبطهم ضابط عسكري او امني لاتدري ما المتوقع ولذلك دخلنا الفندق بصعوبة وخرجنا منه بصعوبة أكثر لدرجة اننا نحن كإعلاميين تحتم علينا الخروج من الباب الخلفي حرصا على سلامتنا ، لكن الناس واضح أنهم حسموا أمرهم وواضح جدا أنهم لا يريدون العودة تحت عباءة النظام في ليبيا لكن عين الصحفي تقول إنه ينقصهم الكثير ونتمنى لهم التوفيق. السراج :بنظرة عامة على الوضع قبل دخولكم السجن وبعد الخروج منه في طرابلس ما رؤيتكم لهذا الوضع ولمسار الثورة ؟ ولد الدين :ما لاحظته أن الوضع يختلف كثيرا عن ما شاهدنا في تونس ومصر حيث كانت الثورة سلمية مائة بالمائة لم تطلق فيها رصاصة لكن ليبيا بخصائصها القلبية أو بسبب النظام الذي حكمها لأكثر من أربعين سنة مختلفة لاحظت أيام دخولي وجود بعض المناطق التي لا يستطير عليها النظام لكن الثوار لم يستطيعوا أن يرسوا فيها نظاما لأنهم لم يكونوا جاهزين لهذه اللحظة التي فاجأتهم في هذا السيل الجارف الذي فاجأ المنطقة العربية بأسرها لاحظت هدوء طرابلس ،فوجئت بأن طرابلس كانت هادئة ولما جئتها رأيت الأطفال أمام المدارس وكان السفراء هناك رغم أننا كنا نتوقع أن لا نجد سفيرا واحدا وجدنا الأمور عادية يخيل أنها مدينة ليست في حرب إلا في الليل تلاحظ القصف وبعض الضربات، هذا كان هو الشعور العام في بنغازي لما سافرت إليها وجدت أنها متحررة تماما من النظام الليبي وهي مدينة تمر بمرحلة مخاض خرجت من فترة تاريخية محددة وتريد الدخول في مرحلة أخرى لكنها مرحلة تحتاج شروطا معينة وهي تتأهب وتتلمس وتسعى لصناعة هذه الشروط.ومازالت علي أعتابها . السراج في الجانب الأدبي في شخصية أحمد فال ولد الدين هناك لازمة الكناش وأبي الطيب المتنبي ما مدى حضور هذه الثنائية أثناء فترة سجنكم. أحمدفال ولد الدين :والله الفترة الأولى فترة السجن الانفرادي الأيام الأولي منها كانت أيام تأمل ومراجعة ونظرة للمسيرة الصحفية ككل فكانت كثافة اللحظة فيها تمنع من التفكير في كثير من الأشياء كانت منصبة علي تقويم المسيرة علي جوانب أخري يفكر فيها الإنسان لأول مرة في حياته في خلوته . بعد ذلك بدأت أفكر في تجاوز هذه اللحظة وكيف يمكن للواحد أن يكتب عنها وأن يصفها وان يتعلم منها وكل التراث العربي الذي يتكلم عن الصبر والتضحية والمساهمة في مداد الأمة من جديد والتعالي على الجراح معاني تمر بالواحد في خلوته ولا شك ا نابا الطيب المتنبي كان حاضرا بشعره المتفرج وبلمساته التي تخفف عن الواحد في مثل هذه الظروف لكن المزعج عدم وجود أي وسيلة للقراءة او تصفح الانترنت وبالتالي كانت هناك صعوبة لكن بعد 10ايام في الزنزانة الانفرادية تحدثت مرات مع مدير السجن وكان مديرا إداريا في المنطقة وكان رجلا جيدا وبعد عدة حوارات كان هناك نوعا من التفاهم القلبي او الشفقة فجاءني بكتاب عن الأدب الأندلسي بعنوان :الأدب الأندلسي عصر سيادة قرطبة للدكتوراحسان عباس فكان هذا الكتاب كأنه الدنيا المقبلة بالنسبة لي سعدت به سعادة غامرة ، لدرجة أنني بدأت أقرؤه وأتعامل معه كما يتعامل الطفل مع أشيائه التي لا يريد أن ينهيها فكنت اقرأ الصفحة واوهم نفسي بأنني لم افهمها وأعيدها لان لدي وقت واسع والكتاب واحد وكنت أخشي أن أنهيه فقراته بتأن وكان العيش مع عبد الرحمن الداخل وهو يدخل الأندلس عزاء ونورا يدخل علي في ليل الغربة كنت أقرا أبياته المؤثرة جدا وأنا في غربتي وهو يتحدث عن غربته تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل فقلت شبيهي في التغرب والنوى وطول اغترابي عن بني وعن أهلي نزلت بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي فكنت أنا أيضا في طرابلس الغرب كنت بعيدا عن أهلي وكنت بعيدا عن الأحبة فكانت بلسما يخفف من الجراح ومن ليل الغربة عشت مع عبد الرحمن الناصر وهو يبني مجدا بعد انقطاعه وكان هذا بلسما في ليل الغربة وفي ليل السجن . السراج : هناك فعاليات قام بها الصحفيون الموريتانيون لإطلاق سراحكم ربما قراتم عنها بعد خروجكم ما تقييمكم للدور الصحفي ؟ أحمد فال ولد الدين :خلال فترة الاعتقال لم أتمكن من الحصول على أي معلومات رغم تأكدي من ان نقابة الصحفيين برئاسة الأستاذ الحسين ولد أمدو ستعمل على الموضوع كنت متأكدا مائة بالمائة لكن عدم الحصول على المعلومة حال دون متابعة ذلك وأتذكر في إحدى ليالي السجن وقبل الإفراج عنا بخمسة أيام آو ستة كان هناك احد الحراس الجيدين وكان يتعاطف معنا كثيرا قام بتسجيل بعض اللقطات على هاتفه الجوال وقال لي هناك وقفة تضامنية معكم ورأيت لقطة واحدة للأستاذ الحسين وهو يتحدث فارتحت كثيرا كانت نوار من الدنيا في سجننا وفي الحقيقة جهدهم مقدر وواضح أنهم لم يستريحوا وان كل الموريتانيين كانوا معنا وكانوا عند حسن الظن، وان عشق الموريتانيين للحرية الذي استلهموه من صحرائهم الواسعة تجلى في هذه اللحظات وبالمناسبة اشكر الجميع ونقابة الصحفيين وكل الصحفيين الموريتانيين وكل الأحرار الذين وقفوا معنا. السراج : هل أنت نادم على " توريط " الجزيرة لكم وما موقفكم من تعاطي الجزيرة مع الثورات العربية ؟ أحمد فال ولد الدين : الحمد لله نهائيا لا اعتقد أني نادم للإقدام على هذه الخطوة ، بالعكس كانت إضافة ممتازة لخبرتي ورؤيتي للحياة كانت فترة توقف في خلوتي لمراجعة المسيرة للتأمل وإكمال النواقص وبالعكس قد تجعلني أحرص على العمل الصحفي أكثر لأنني كنت أتحدث عن المسجونين وكنا أحاول إيصال صوت المعذبين في الأرض وتوصيل أصواتهم لكن لم أذق ما أقول أما وقد وجدتني ملقا في زنزانة انفرادية محروم من خبر عن العالم يتصدق علي حارس بان يقول لي إن اليابان "أصابها إعصار فيه نار فاحترقت "وآخذ هذه المعلومات بتلهف هذا يعيدني على المهنة الصحفية ويجعلني اقدرها أكثر وأنني أقوم بهذا الدور العظيم وأنني أقوم بتوصيل صوت المكبوتين المخنوقين إلى فضاء الحرية أعتقد أنها كانت إضافة جيدة جدا والجزيرة كانت عند حسن الظن وهي كذلك دوما في التعاطي مع موظفيها والعاملين فيها . السراج" ومع الثورات العربية أيضا ؟ أحمد فال ولد الدين : اعتقد أن تعاطي الجزيرة مع الثورات العربية كان جيدا لأن الإعلام إذا كان يعكس صوت الطبقة التي لا صوت لها فهو على الجادة ، دور الإعلام كما يقول إدوار سعيد هو ان يسمع الحقيقة للقوة أوان يتحدث إلي القوة دور الإعلام هو أن يتحدث أمام الأقوياء وهذا ما قامت به الجزيرة ، الجزيرة أسمعت مبارك ما لايريد سماعه من أصوات الثائرين في التحريروكان هذا الصوت يتصاعد حتي خرج مبارك ، الجزيرة أسمعت قصر الرئاسة في تونس أصوات الثكالى الذين فقدو أبناءهم طيلة عشرين سنة أسمعت نبض الشارع حتى قال الرئيس فهمتكم ، فعندما تقوم المؤسسات الصحفية بهذا الدور فهي على الجادة والجزيرة كآي مؤسسة هل لها أخطاؤها وهي كجهد بشري فيه الناقص الذي يحتاج التكميل، لكن لا اشك أنها مؤسسة مباركة ساهمت إلى حد كبير في إيقاظ الأمة من رقدتها وانأ متفائل جدا بمستقبل الأمة بناء على ذلك السراج : كثر الحديث عن وجود مرتزقه موريتانيين في كتائب القذافي وتحدثت عنه الجزيرة وبعض المعارضين الليبين فهل لديكم أي معلومات حول هذا الموضوع ؟ أحمد فال ولد الدين :ما فهمته أن هؤلاء المتحدث عنهم كمرتزقة ليسوا موريتانيين وذلك لسببين أولا بعض الناس العاديين لا يعرفون الكثير عن موريتانيا وتختلط عليهم الأسماء بين موريتانيا واريتريا وغيرها ثانيا قد يكون بعض غير الموريتانيين ممن حصلوا على وثائق موريتانيين وهذا معروف فالموريتاني معروف بلهجته وبلغاته الوطنية وهؤلاء الذين ظهروا لم يكونوا يتحدثون بالحسانية ولا السونكية ولا الألفية ولا أي من اللغات الوطنية وبالتالي فهو إما خطأ من الذين يقدمونهم على الشاشة أو لحصولهم على وثائق موريتانية اما الموريتاني الذي اعرفه لم أره نهائيا من بين الذين ظهروا باعتبارهم مرتزقة . السراج :كيف تقارن بين لحظة العودة إلى أرض الوطن وليلة القبض عليكم في الزاوية وكيف ترون الفروق بحسك الصحفي والأدبي . أحمد فال ولد الدين :هناك أوجه تشابه وأوجه اختلاف أوجه التشابه هي أنها لحظة فارقة لحظة تدل علي أن الواحد كان يريد القيام بدور في صناعة التاريخ كان يحاول المساهمة في الكشف عن بعض الجوانب التي تمر به الأمة كانت ليلة الاعتقال كانت ليلة صعبة لكنها كانت فارقة لحظة لكنها فيها عواطف وكانت فيها أسئلة ولحظات توقف. وليلة العودة كانت أيضا فارقة وكانت فيها عواطف وتوقف وتساءل عن ما مضى وما سيأتي البارحة كانت ليلة متميزة جدا أول مرة أرى فيها الأحبة والوالدة بعد هذه الفترة والحمد الذي أكرم. السراج : في ختام هذا اللقاء هل لديكم رسالة ود أو تعاطف أو تأنيب لمن اعتقلوك في موقفين تحدثت عنهما ؟ أحمد فال ولد الدين : اقدر لكل المسئولين والمواطنين الليبيين جانبهم الإنساني الذي اعتقد البعض أو خال ان السنين قد طمرته لكن اتضح أن الإنسان الليبي لا زال شهما يتحرك فيه العرق العربي والدم العربي والعقلية الإسلامية التي فيها الإنسانية والكرم . أما الجوانب السلبية ليلة الاعتقال فأقول عفا الله عما سلف ونسال الله أن تكون في ميزان حسناتنا ونتمنى أن تخرج ليبيا من الأزمة ويتوصل الليبيون إلى إدارة بلدهم بشكل أفضل. السراج : شكرا جزيلا essirage.net |
بحث هذه المدونة الإلكترونية
لرياضة: شالكه الالماني وبرشلونة الاسباني يتأهلان الى دوري الثمانية لدوري ابطال اوروبا
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
السبت، 7 مايو 2011
ولد الدين: الناس حسموا أمرهم ولا يريدون العيش تحت عباءة القذافي (مقابلة)
الجمعة، 6 مايو 2011
تنظيم القاعدة أكد اليوم، الجمعة، عبر أحد مواقع القاعدة الرسمى، موت أسامة بن لادن.
كشف موقع "سايت" "SITE" المتخصص فى متابعة مواقع الإسلاميين عبر الإنترنت أن تنظيم القاعدة أكد اليوم، الجمعة، عبر أحد مواقع القاعدة الرسمى، موت أسامة بن لادن.
وبث موقع الشبكة الجهادية الممثل الرسمى للقاعدة بيانا نعى فيه زعيم التنظيم أسامة بن لادن الذى جاء تحت عنوان" عشت حميدا ومت شهيدا".
وافتتح البيان الصادر عن تنظيم قاعدة الجهاد – القيادة العامة، بالآية 57 من سورة آل عمران: "ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون"، وقال: "ففى يوم تاريخى من أيام الأمة الإسلامية العظيمة، وبموقف ليس ببدع من مواقف أبطالها ورجالها عبر عمرها المبارك، وعلى طريق ممهد سلكه خيار سابقيها ولاحقيها، وقتل الشيخ المجاهد القائد الزاهد المهاجر أبو عبد الله أسامة بن محمد بن لادن - رحمه الله - فى مواطن صدق فيه القول بالعمل والدعوى بالبينة، ليلحق بركب الأمة المهيب الذى امتدت مواكبه تترا بين قادة عظام، وجنود أوفياء وفرسان شرفاء أبى فيه أن يعطى الدنية فى دينه، وأن يسلم قيادة وبذل لمن ضربت عليهم الذلة والمسكنة من المغضوب عليهم والضالين، فواجه السلاح بالسلاح والقوة بالقوة، وقبل أن يتحدى جموعا مستنكرة خرجت بآلاتها وعتادها وطائراتها وحشودها بطرا ورئاء الناس، فما ضعفت أمامهم عزيمته ولا خارت قواه، بل وقف لهم وجها لوجه طودا شامخا وأدى أمانته حتى تلقى طلقات الغدر والكفر ليسلم الروح إلى بارئها وهو يردد، من يبذل الروح الكريم لربه، دفعا لباطلهم فكيف يُلامُ".
وبث موقع الشبكة الجهادية الممثل الرسمى للقاعدة بيانا نعى فيه زعيم التنظيم أسامة بن لادن الذى جاء تحت عنوان" عشت حميدا ومت شهيدا".
وافتتح البيان الصادر عن تنظيم قاعدة الجهاد – القيادة العامة، بالآية 57 من سورة آل عمران: "ولئن قتلتم فى سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون"، وقال: "ففى يوم تاريخى من أيام الأمة الإسلامية العظيمة، وبموقف ليس ببدع من مواقف أبطالها ورجالها عبر عمرها المبارك، وعلى طريق ممهد سلكه خيار سابقيها ولاحقيها، وقتل الشيخ المجاهد القائد الزاهد المهاجر أبو عبد الله أسامة بن محمد بن لادن - رحمه الله - فى مواطن صدق فيه القول بالعمل والدعوى بالبينة، ليلحق بركب الأمة المهيب الذى امتدت مواكبه تترا بين قادة عظام، وجنود أوفياء وفرسان شرفاء أبى فيه أن يعطى الدنية فى دينه، وأن يسلم قيادة وبذل لمن ضربت عليهم الذلة والمسكنة من المغضوب عليهم والضالين، فواجه السلاح بالسلاح والقوة بالقوة، وقبل أن يتحدى جموعا مستنكرة خرجت بآلاتها وعتادها وطائراتها وحشودها بطرا ورئاء الناس، فما ضعفت أمامهم عزيمته ولا خارت قواه، بل وقف لهم وجها لوجه طودا شامخا وأدى أمانته حتى تلقى طلقات الغدر والكفر ليسلم الروح إلى بارئها وهو يردد، من يبذل الروح الكريم لربه، دفعا لباطلهم فكيف يُلامُ".
واشنطن بوست:شكوك حول موت بن لادن
كتب- جبريل محمد:
شكك كاتب أمريكي في موت زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بعدما رفض الرئيس الأمريكي الإفراج عن صوره وهو ميت، مؤكدًا أن الصورة دائمًا ما تكون أبلغ من أي حديث.
وقال"ايوجين روبنسون" في صحيفة "واشنطن بوست"اليوم الخميس: "إن رفض الرئيس باراك أوباما نشر صور أسامة بن لادن وهو ميت، يثير علامات استفهام كثيرة قد توحي بأنه لم يمت، مشيرًا إلى أن ما يدعم وجهة النظر هذه هو أن تنظيم القاعدة لم يؤكد أو ينفي نبأ مقتل زعيمه حتى الآن.
وأضاف: "إنني أستغرب المبرر الذي قاله أوباما لرفضه نشر الصور، وأعتقد أن عرض الأدلة أمام العالم حتى لو كانت شنيعة ستكون مفيدة جدًا وتكذب الألسنة التي تتحدث عن أن ابن لادن لم يمت، فعرض صورة "الجزار الإرهابي" يمكن أن تكون أفضل من الحديث والكلمات.
وتابع: "إن الصور رغم أنها قد تكون مثلما قال الرئيس أوباما، ملهبة لبعض الجهاديين والطامحين وتشجع على مهاجمة الأمريكيين، أعتقد أنها ستكون خيبة أمل لعدد آخر من تنظيم القاعدة، الذين كانوا يعتقدون أن بن لادن أسطورة لا تقهر، لافتا إلى أن عرض الصور تدحض نهائيًا أي فكرة عن أن بن لادن يتمتع بنوع من الحماية الإلهية، ويجب أن تموت أسطورة الرجل مع موته".
ويختتم الكاتب مقاله بسبب آخر لضرورة عرض صور بن لادن حيث يقول: إن عرض الصور يظهر أن بن لادن ليس محاربا في حرب مقدسة، وليس أي شيء مقدس، ولكنه قاتل، خدع الكثيرين.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية و.بوست: بن لادن "لم يمت"
الخميس، 5 مايو 2011
تراث بن لادن في زمن الثورات بقلم محمد ولد المختار الشنقيطي
الخميس, 05 مايو 2011 :
يبدو أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن رحل عن هذه الدنيا كما تمنى تماما، فقد قُتل على أيدي أعدائه وهو يحمل سلاحه مقاتلا، مقبلا غير مدبر، وسلم من الأسر والمحاكمات والتشهير الإعلامي، وغير ذلك من المهانات التي تعرض لها الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وربما الأهم من كل ذلك أن أسامة رحل في الوقت المناسب لرحيله تماما، فقد قتَلت الثورات العربية تنظيمَ القاعدة، وسلبته بريقَه وجاذبيته لدى الشباب العربي، بعدما وفرت بنهجها السلمي ونضالها المدني بديلا أنجع من الناحية العملية، وأقل إشكالا من الناحية الأخلاقية.
وقبل الخوض في مدلول مقتل بن لادن في فجر الثورات العربية، نشير إلى أنه لا يمكن الثقة في تفاصيل قصة مقتله كما وردت في المصادر الرسمية الأميركية. وإذا كنا لا نشكك في عملية القتل ذاتها، فإن بعض التفاصيل المصاحبة مثيرة للريبة حقا، وأهمها القول إن جسده دفن في البحر لعدم قبول أي دولة استقباله، وهو زيف واضح، لأن الدفن المزعوم كان في نفس اليوم الذي قتل فيه, ولم يكن ثمة وقت لقبول جثمانه أو رفضه.
وكذلك الصورة المنشورة للقتيل، التي لم يظهر فيها سوى الوجه، صورة مزيفة، وهي مجرد إعادة إنتاج لصورة له معروفة منذ أكثر من عقد من الزمان، مع شيء من التحوير للنصف الأعلى من الوجه اقتضاه المقام.
ومن الواضح أن الأميركيين بحاجة إلى إخراج القصة إخراجا بطوليا وإنسانيا في الوقت ذاته، حتى وإن كان ذلك على حساب الحقيقة.
ولذلك من المستحيل الجزم الآن ما إن كان بن لادن قد قتلته القوات الأميركية أو الباكستانية أو بعض المتعاونين معهما. ولعل جسده قد احترق أو تمزق بطريقة لا يخدم إظهارُه الوجهَ البطولي والإنساني الذي أريد إخراج القصة بها.
على أن هذه التفاصيل لا تهم، بقدر ما يهم مدلول مقتل بن لادن في هذا الظرف الذي يشهد مخاضا سياسيا هائلا عمَّ أرجاء العالم العربي. لقد استطاعت القاعدة –شأنها شأن الجماعات المسلحة عموما- أن توفر لأعضائها شيئا من الهوية وروح الفريق والحماية (فبعض هؤلاء ملاحقون أصلا في بلدانهم حتى وإن لم ينضموا إلى القاعدة)، كما نجحت القاعدة في استنزاف القوة الأميركية، وفي تلطيخ صورة الولايات المتحدة في العالم.
لكن ما أنجزته القاعدة للشعوب الإسلامية لا يكاد يذكر، مقارنة مع الخسارة الفادحة التي جرتها على الأمة، والحرائق التي أشعلتها في كل أرجاء الدنيا.
إن قتال الجبهات العريضة الذي انتهجته القاعدة، وعدم التزامها بقواعد أخلاقية واضحة في القتال، كما تقتضيه قيم الإسلام، وعدم انطلاقها من إستراتيجية حرب واضحة ذات بداية ونهاية... وضعها في مأزق، رغم حسن النيات، وعظيم التضحيات.
وعقَّد من ذلك ما يتسم الفكر السلفي الذي تحمله القاعدة من صياغة للخلافات الجزئية بين المسلمين صياغات اعتقادية، والإيمان بالصراع الوجودي مع غير المسلمين، والتعجل والانبتات في المسيرة، وتجاهل موازين القوى العسكرية والسياسية، إضافة إلى معارضة السلفيين للديمقراطية وهم ضحايا الاستبداد.
لكن أسوأ ما أصاب القاعدة في مقتل هو سوء التسديد. وقد ابتهج بذلك خبراء الإرهاب الأميركيون كثيرا، واعتبروا أن ما دعوه "أخطاء التسديد" (targeting mistakes) هي التي ستفقد القاعدة بريقها على الأمد البعيد.
كان لسان القاعدة يردد مع الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي:
لا عدل إلا إن تعادلت القوى**وتصادم الإرهاب بالإرهابِ
لكن الشباب العربي اليوم يعول على قوة عامة الشعب وإرادتها للحياة، لا على طليعة محدودة من الباحثين عن الموت في مظانه. فشعار الشباب اليوم هو بيت آخر للشابي يختلف تماما عن البيت السابق، وهو قوله:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدرْ
لقد أدركت الغالبية الساحقة من المسلمين أن وسائل القاعدة في مدافعة الأعداء تتسم بضعف الأساس الأخلاقي أحيانا، ونقص الحكمة السياسية غالبا. ولذلك لم تستطع القاعدة أن تتوغل في الضمير المسلم، ولا تحولت إلى حركة تحرير شعبية مثل حركات التحرر من الاستعمار الأوروبي منتصف القرن العشرين.
ثم أطلت الثورات العربية فجأة بروح جديدة، وأبدعت منهجا جديدا في التغيير، لا يؤمن بمصادمة الإرهاب بالإرهاب، بل بوضوح الرسالة السياسية وأخلاقيتها، وقوة التصميم ومضائه، والإيمان بالديمقراطية التي رأتها القاعدة كفرا بواحا.
وتتجسد هذه الروح الجديدة اليوم في الثورة اليمنية، حيث يخرج الملايين للمسيرات السلمية إلى الشوارع وبيوتهم ملأى بالسلاح، ويواجهون قوات القمع بصدور عارية، وهم من هم في التمرس بالقتال وحب النزال.
وهكذا سحبت الثورات العربية البساط السياسي والأخلاقي من تحت أقدام القاعدة، وسلبتها جاذبيتها لدى الشباب العربي. كما سحبت هذه الثورات البساط الإستراتيجي من تحت أقدام الأميركيين حينما هدت عروش بعض حلفائهم الأقربين، وهزت عروش الآخرين.
وقد ورد تقرير بمجلة فورين أفيرز (شوؤن خارجية) الأميركية منذ أسابيع يدل على قوة منطق الثورات العربية وأثره على التفكير السياسي الأميركي. فقد ذكرت المجلة أن هيلاري كلينتون كانت من أشد الرافضين لدعم أميركا للثوار الليبيين. لكنها حين زارت ميدان التحرير في القاهرة ورفض شباب الثورة المصريون لقاءها، رجعت إلى واشنطن وهي من أشد الداعين إلى دعم الثورة الليبية، وعللت هيلاري تغيير موقفها بأن الولايات المتحدة توشك أن تخسر المستقبل في المنطقة.
لقد فرضت الثورات العربية منطقا مختلفا على المنطقة، وعلى العلاقات العربية الأميركية، وفكت الاشتباك بين أميركا والقاعدة إلى حد بعيد، حينما جعلته غير ذي مضمون، في الأمد المنظور على الأقل.
فقد أعادت الثورات العربية ترتيب الأمور منطقيا، فجعلت مقاومة الاستبداد مقدمة على مقاومة الاستعمار، وجعلت حرية الإنسان سابقة على تحرير الأوطان. وهذا نقيض ما رتبت عليه القاعدة نضالها، وهو –بالطبع- نقيض ما كان يريده الأميركيون من إبقاء ما كان على ما كان عليه.
ولم تجد كل من القاعدة وأميركا بدا من الخضوع لمنطق الثورات العربية، فذاب الشباب المتعاطف مع القاعدة في خضم الثورات العربية، واضطرت أميركا إلى التخلي عن النظام المصري المنهار الذي كان حجر الزاوية في إستراتيجيتها التحكمية، وها هي اليوم تعد العدة للتخلي عن رجلها في جنوب الجزيرة العربية علي عبد الله صالح.
ويبدو أن الصراع بين أميركا والعالم الإسلامي سيتخذ طابع المدافعة السياسية مستقبلا أكثر من طابع الصدام العسكري. وذلك أن الثورات الحالية ستسفر عن حكومات تمثل شعوبها في التعاطي مع الأميركيين، ولا تمثل الأميركيين في التعامل مع شعوبها، كما كان الحال في ظل بن علي وحسني مبارك وأشباههما.
لقد وُلدت القاعدة ولادة غير طبيعية في ظروف غير طبيعية. وخرجت إلى الوجود من رحم المعاناة العربية والإسلامية في التسعينيات التي بدأت بالغزو الأميركي الأول للعراق، وما تلاه من عقوبات همجية قتلت عشرات الآلاف من العراقيين جوعا ومرضا، وهم قاعدون على أعظم ثروات العالم.
كما ولدت القاعدة من رحم الإفلاس السياسي للأنظمة العربية المعتدلة التي سلمت زمامها لواشنطن، ومثلها الأنظمة العربية الثورية التي امتهنت شعوبها وذبحت الحرية الشخصية والسياسية باسم التحرر من الإمبريالية والاستعمار.
وهكذا جاءت القاعدة ردة فعل فوضوية على بربرية الحضارة التي تسلطت على أمتنا، وفي ظروف انسداد أظلمت فيها كل دروب الأمل أمام شباب الأمة. أما اليوم وقد اكتشفت الشعوب وسيلتها الذهبية في التغيير في الثورات السلمية الديمقراطية، فإن القاعدة لم تعد أمل الشباب العربي في تغيير أوطانهم أو تغيير العالم.
سيبقى بن لادن معلما من معالم القرن الواحد والعشرين، فأحباؤه وأعداؤه يعترفون له بأنه كان رجل تضحية وفداء، خرج طوعا من حياة الباشاوات إلى حياة الجبال والنزال، كما سيبقى لدى غالبية المسلمين تحفظاتهم على منهجه في المواجهة الهوجاء، من حيث السداد الأخلاقي والحكمة السياسية.
لكن زمن بن لادن ولى قبل رحيله بشهور، حينما أحرق ذلك الشاب التونسي المتواضع نفسه في تلك البلدة التونسية الهادئة، فأشعل جسد العالم العربي كله ثورات من أجل الحرية. فلن يكون بن لادن مصدر إلهام مستقبليا للشباب العربي الذي عرف طريقه إلى الحرية اليوم عبر النضال السلمي.
ومن هنا يمكن القول إن بن لادن قد رحل عن هذه الدنيا في اللحظة المناسبة تماما، وذلك بعد أن اكتشف الشباب العربي ذاته بعيدا عن منهج القاعدة في المفاصلة المنازلة.
وربما الأهم من كل ذلك أن أسامة رحل في الوقت المناسب لرحيله تماما، فقد قتَلت الثورات العربية تنظيمَ القاعدة، وسلبته بريقَه وجاذبيته لدى الشباب العربي، بعدما وفرت بنهجها السلمي ونضالها المدني بديلا أنجع من الناحية العملية، وأقل إشكالا من الناحية الأخلاقية.
وقبل الخوض في مدلول مقتل بن لادن في فجر الثورات العربية، نشير إلى أنه لا يمكن الثقة في تفاصيل قصة مقتله كما وردت في المصادر الرسمية الأميركية. وإذا كنا لا نشكك في عملية القتل ذاتها، فإن بعض التفاصيل المصاحبة مثيرة للريبة حقا، وأهمها القول إن جسده دفن في البحر لعدم قبول أي دولة استقباله، وهو زيف واضح، لأن الدفن المزعوم كان في نفس اليوم الذي قتل فيه, ولم يكن ثمة وقت لقبول جثمانه أو رفضه.
وكذلك الصورة المنشورة للقتيل، التي لم يظهر فيها سوى الوجه، صورة مزيفة، وهي مجرد إعادة إنتاج لصورة له معروفة منذ أكثر من عقد من الزمان، مع شيء من التحوير للنصف الأعلى من الوجه اقتضاه المقام.
ومن الواضح أن الأميركيين بحاجة إلى إخراج القصة إخراجا بطوليا وإنسانيا في الوقت ذاته، حتى وإن كان ذلك على حساب الحقيقة.
ولذلك من المستحيل الجزم الآن ما إن كان بن لادن قد قتلته القوات الأميركية أو الباكستانية أو بعض المتعاونين معهما. ولعل جسده قد احترق أو تمزق بطريقة لا يخدم إظهارُه الوجهَ البطولي والإنساني الذي أريد إخراج القصة بها.
على أن هذه التفاصيل لا تهم، بقدر ما يهم مدلول مقتل بن لادن في هذا الظرف الذي يشهد مخاضا سياسيا هائلا عمَّ أرجاء العالم العربي. لقد استطاعت القاعدة –شأنها شأن الجماعات المسلحة عموما- أن توفر لأعضائها شيئا من الهوية وروح الفريق والحماية (فبعض هؤلاء ملاحقون أصلا في بلدانهم حتى وإن لم ينضموا إلى القاعدة)، كما نجحت القاعدة في استنزاف القوة الأميركية، وفي تلطيخ صورة الولايات المتحدة في العالم.
لكن ما أنجزته القاعدة للشعوب الإسلامية لا يكاد يذكر، مقارنة مع الخسارة الفادحة التي جرتها على الأمة، والحرائق التي أشعلتها في كل أرجاء الدنيا.
إن قتال الجبهات العريضة الذي انتهجته القاعدة، وعدم التزامها بقواعد أخلاقية واضحة في القتال، كما تقتضيه قيم الإسلام، وعدم انطلاقها من إستراتيجية حرب واضحة ذات بداية ونهاية... وضعها في مأزق، رغم حسن النيات، وعظيم التضحيات.
وعقَّد من ذلك ما يتسم الفكر السلفي الذي تحمله القاعدة من صياغة للخلافات الجزئية بين المسلمين صياغات اعتقادية، والإيمان بالصراع الوجودي مع غير المسلمين، والتعجل والانبتات في المسيرة، وتجاهل موازين القوى العسكرية والسياسية، إضافة إلى معارضة السلفيين للديمقراطية وهم ضحايا الاستبداد.
لكن أسوأ ما أصاب القاعدة في مقتل هو سوء التسديد. وقد ابتهج بذلك خبراء الإرهاب الأميركيون كثيرا، واعتبروا أن ما دعوه "أخطاء التسديد" (targeting mistakes) هي التي ستفقد القاعدة بريقها على الأمد البعيد.
كان لسان القاعدة يردد مع الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي:
لا عدل إلا إن تعادلت القوى**وتصادم الإرهاب بالإرهابِ
لكن الشباب العربي اليوم يعول على قوة عامة الشعب وإرادتها للحياة، لا على طليعة محدودة من الباحثين عن الموت في مظانه. فشعار الشباب اليوم هو بيت آخر للشابي يختلف تماما عن البيت السابق، وهو قوله:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدرْ
لقد أدركت الغالبية الساحقة من المسلمين أن وسائل القاعدة في مدافعة الأعداء تتسم بضعف الأساس الأخلاقي أحيانا، ونقص الحكمة السياسية غالبا. ولذلك لم تستطع القاعدة أن تتوغل في الضمير المسلم، ولا تحولت إلى حركة تحرير شعبية مثل حركات التحرر من الاستعمار الأوروبي منتصف القرن العشرين.
ثم أطلت الثورات العربية فجأة بروح جديدة، وأبدعت منهجا جديدا في التغيير، لا يؤمن بمصادمة الإرهاب بالإرهاب، بل بوضوح الرسالة السياسية وأخلاقيتها، وقوة التصميم ومضائه، والإيمان بالديمقراطية التي رأتها القاعدة كفرا بواحا.
وتتجسد هذه الروح الجديدة اليوم في الثورة اليمنية، حيث يخرج الملايين للمسيرات السلمية إلى الشوارع وبيوتهم ملأى بالسلاح، ويواجهون قوات القمع بصدور عارية، وهم من هم في التمرس بالقتال وحب النزال.
وهكذا سحبت الثورات العربية البساط السياسي والأخلاقي من تحت أقدام القاعدة، وسلبتها جاذبيتها لدى الشباب العربي. كما سحبت هذه الثورات البساط الإستراتيجي من تحت أقدام الأميركيين حينما هدت عروش بعض حلفائهم الأقربين، وهزت عروش الآخرين.
وقد ورد تقرير بمجلة فورين أفيرز (شوؤن خارجية) الأميركية منذ أسابيع يدل على قوة منطق الثورات العربية وأثره على التفكير السياسي الأميركي. فقد ذكرت المجلة أن هيلاري كلينتون كانت من أشد الرافضين لدعم أميركا للثوار الليبيين. لكنها حين زارت ميدان التحرير في القاهرة ورفض شباب الثورة المصريون لقاءها، رجعت إلى واشنطن وهي من أشد الداعين إلى دعم الثورة الليبية، وعللت هيلاري تغيير موقفها بأن الولايات المتحدة توشك أن تخسر المستقبل في المنطقة.
لقد فرضت الثورات العربية منطقا مختلفا على المنطقة، وعلى العلاقات العربية الأميركية، وفكت الاشتباك بين أميركا والقاعدة إلى حد بعيد، حينما جعلته غير ذي مضمون، في الأمد المنظور على الأقل.
فقد أعادت الثورات العربية ترتيب الأمور منطقيا، فجعلت مقاومة الاستبداد مقدمة على مقاومة الاستعمار، وجعلت حرية الإنسان سابقة على تحرير الأوطان. وهذا نقيض ما رتبت عليه القاعدة نضالها، وهو –بالطبع- نقيض ما كان يريده الأميركيون من إبقاء ما كان على ما كان عليه.
ولم تجد كل من القاعدة وأميركا بدا من الخضوع لمنطق الثورات العربية، فذاب الشباب المتعاطف مع القاعدة في خضم الثورات العربية، واضطرت أميركا إلى التخلي عن النظام المصري المنهار الذي كان حجر الزاوية في إستراتيجيتها التحكمية، وها هي اليوم تعد العدة للتخلي عن رجلها في جنوب الجزيرة العربية علي عبد الله صالح.
ويبدو أن الصراع بين أميركا والعالم الإسلامي سيتخذ طابع المدافعة السياسية مستقبلا أكثر من طابع الصدام العسكري. وذلك أن الثورات الحالية ستسفر عن حكومات تمثل شعوبها في التعاطي مع الأميركيين، ولا تمثل الأميركيين في التعامل مع شعوبها، كما كان الحال في ظل بن علي وحسني مبارك وأشباههما.
لقد وُلدت القاعدة ولادة غير طبيعية في ظروف غير طبيعية. وخرجت إلى الوجود من رحم المعاناة العربية والإسلامية في التسعينيات التي بدأت بالغزو الأميركي الأول للعراق، وما تلاه من عقوبات همجية قتلت عشرات الآلاف من العراقيين جوعا ومرضا، وهم قاعدون على أعظم ثروات العالم.
كما ولدت القاعدة من رحم الإفلاس السياسي للأنظمة العربية المعتدلة التي سلمت زمامها لواشنطن، ومثلها الأنظمة العربية الثورية التي امتهنت شعوبها وذبحت الحرية الشخصية والسياسية باسم التحرر من الإمبريالية والاستعمار.
وهكذا جاءت القاعدة ردة فعل فوضوية على بربرية الحضارة التي تسلطت على أمتنا، وفي ظروف انسداد أظلمت فيها كل دروب الأمل أمام شباب الأمة. أما اليوم وقد اكتشفت الشعوب وسيلتها الذهبية في التغيير في الثورات السلمية الديمقراطية، فإن القاعدة لم تعد أمل الشباب العربي في تغيير أوطانهم أو تغيير العالم.
سيبقى بن لادن معلما من معالم القرن الواحد والعشرين، فأحباؤه وأعداؤه يعترفون له بأنه كان رجل تضحية وفداء، خرج طوعا من حياة الباشاوات إلى حياة الجبال والنزال، كما سيبقى لدى غالبية المسلمين تحفظاتهم على منهجه في المواجهة الهوجاء، من حيث السداد الأخلاقي والحكمة السياسية.
لكن زمن بن لادن ولى قبل رحيله بشهور، حينما أحرق ذلك الشاب التونسي المتواضع نفسه في تلك البلدة التونسية الهادئة، فأشعل جسد العالم العربي كله ثورات من أجل الحرية. فلن يكون بن لادن مصدر إلهام مستقبليا للشباب العربي الذي عرف طريقه إلى الحرية اليوم عبر النضال السلمي.
ومن هنا يمكن القول إن بن لادن قد رحل عن هذه الدنيا في اللحظة المناسبة تماما، وذلك بعد أن اكتشف الشباب العربي ذاته بعيدا عن منهج القاعدة في المفاصلة المنازلة.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)